لروح الأستاذ طلال سلمان الذي وافته المنية بتاريخ 25 آب 2023 كتب محمود محمد سويدان: 

طلال سلمان ، تغادرنا في الزمن الصعب وتترك فينا فراغاً يعتصر قلوبنا يا توأم "نسمة" الذي لا يعرف إلا مهنة الحب ــ الشخصية المتخيَّلة التي كتبْتَ على لسانها كل عبارات الإنسانية، أستاذ طلال ، ايها الصرح الثقافي العظيم من صروح لبنان الفكر والقلم ، لبنان الذي عشت وكافحت وناضلت لأن يكون كما تريد ، وطنَ الحرية والعدالة والإشعاع الحضاري على

محيطه العربي . قرأناك كتاب لبنان بين ايدي إخوانه العرب وكتاب العرب بين ايدي إخوانهم اللبنانيين كما أحببت لصحيفتك "السفير" أن تكون . قرأنا فيك آلام وآمال أمةٍ سعت لأن تكون لها الريادة والدور الفاعل وليس المتلقي بين الأمم . قرأنا في كتابك ثورة جزائر أحمد بن بلّا ومصر جمال عبد الناصر وسوريا ومصر حرب تشرين  ومقاومة لبنان وفلسطين وكل ثورات العالم ضد الظلم والطغيان . قرأنا في كتابك : بلاد العُرْبِ أوطاني من بيروت الى دمشق وبغداد والقاهرة وعمان ومكة وصنعاء  وتونس والمغرب والجزائر والسودان. في صحيفتك السفير - كتاب التنشئة الوطنية والقومية ، قرأنا كل قضايا العرب والمسلمين ومستضعفي العالم كله  والصراع المرير مع الاستعمارين القديم والحديث وسوء الطالع العربي بغرس الكيان الصهيوني بين ظهراني العرب كنتيجة طبيعية لانتصار الحلفاء في الحرب الكونية الثانية عام 1945م.

وحين ساد نظام القطب الأميركي الأوحد بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991 م نذكر ولا ننسى كيف جعلت من " السفير " منبر التصدي لمحاولات تغيير الهوية العربية واستبدالها ببدعة " الشرق أوسطية " وحرف وجهة البندقية عن النضال لصون قضية العرب المركزية ــ فلسطين .

وحين حاول الأميركي في تسعينات القرن الماضي ان يغرس في عقول ضعفائنا أن هزيمتنا صارت هي القدر وعزيمة الأمة مفقودة الأثر دوّت صرختك المكتوبة " الهزيمة ليست قدراً " وأن إسرائيل لن تكون حكومة العرب المركزية في عالم " الشرق الأوسط الجديد " الذي راح الأميركي يرسم خرائطه بدماء العراقيين واللبنانيين والفلسطينيين حتى صنعتْ حرب تموز 2006م نعش شرقه الأوسط الجديد وأرسلته الى جهنم وبئس المصير. وخاب ما انخرط به " ممالك الذهب الأسود والصمت الأبيض " ( بتعبير الأستاذ طلال سلمان نفسه )  ويا ليت الصمت الأبيض يا استاذنا الراحل ظل صمتاً ولم يلتحق بركب التطبيع.  فلم يعد للبنان مرجع إلا صمود شعبه وتضحيات مقاوميه ، "ولا مرجع لفلسطين ولاّدة الشهداء إلا دمُها " كما كنت تردد في افتتاحية "على الطريق " في" سفير " كل يوم وهو طريق ذات الشوكة الذي أتقنتْ اجيال لبنان وفلسطين سلوكه وها هو نضالها يشكل رافعة النهوض لأمة "إقرا" من جديد وسيعيد مجدها الغابر وسيطوي صفحات التفرق والتمذهب والانقسام فنستطيع أن نُطمئن شاعرنا الأستاذ عمر أبو ريشة ( 1910 ــ 1990 ) ونقول : أمتي ... أجل .. سيظل لك بين الأممِ منبرٌ للسيفِ وآخر للقلمِ . ونقول للأستاذ طلال سلمان نم هانئاً مطمئناً في ثرى بلدتك شمسطار في بعلبك. فلن تؤتي رياح التطبيع أكلَها ما دام صاحب الحق غير متنازل عن حقه إلى يوم الدين .

ما أقساك يا آب، تُلهِبُ قلوبنا هذا العام مرتين مرة بوجعنا الدائم بذكرى تغييب إمام الوطن والمقاومة السيد موسى الصدر عام 1978م ومرة أخرى عندما يهوي عمود من أعمدة هياكل بعلبك الثقافية هو الأستاذ طلال سلمان الذي نعاهده كما نعاهد إمام الوطن السيد موسى الصدر بأن يبقى لبنان وطن العيش الواحد وبأن لا يتحول حًلمنا القومي العربي بتوحيد أمة العرب والمسلمين إلى اطلال ، قصُرَ الزمان أو طال.

استاذ طلال سلمان لئن وارى جسدَك الطاهر التراب فإن عمرك يقاس  بنبض أحلامنا وأمانينا في كل ساحات وطنك العربي الكبير