viu1269562347s.jpg
Yatar-Logo1.png
viu1269562347s.jpg

الزوار

We have 86 guests and no members online

عن الإمام الصادق ع : إن الله عز وجل اوحى الى آدم ع : إني جامعٌ لك الكلام كله في أربع كلم ، قال : يا رب وما هن ؟ فقال واحدة لي، وواحدة لك، وواحدة في ما بيني وبينك، وواحدة فيما بينك وبين الناس .
قال : يا ربِّ بيّنهن لي حتى اعمل بهن ، قال أما التي لي فتعبدني لا تشرك بي شيئاً ، وأما التي لك فأجزيك بعملك أحوج ما تكون اليه، وأما التي بيني وبينك فعليك الدعاء وعليّ الإجابة، وأما التي بينك وبين الناس فترضَ للناس ما ترضى لنفسك .    

لروح الفقيد الغالي نصير الفقراء الحاج عبد المجيد صالح الذي غادرنا في 09 أيلول 2023م بعد صراعه مع المرض العُضال كتب محمود محمد سويدان تحت عنوان  :

                         الحاج عبد المجيد صالح والترياق المفقود

   سأحدثكم يا أصدقائي عن رجل من رجالات بلادي ، عن واحدٍ من الرعيل الأول الذي نهض مع الإمام موسى الصدر والتحق بحركة المحرومين "امل" وأقسم مع إمام الوطن والمقاومة بصون لبنان والدفاع عن التراب الوطني ، الاسم : عبد المجيد . وخيرُ الأسماء ما حُـمِّـد وعُـبِّد.

الشهرة : صالح ، وقد لبسته شهرته فهو عبدٌ صالح ، مواطن صالح ، في الإسلام والعروبة وأصالة الانتماء صالح. لا يهادن عدواً ولا يصالح . فكربلاء وعشق الإمام الحسين (ع) مدرسة الكرامة لديه. يقترن الصلاح في شخصه بالفلاح ويتوجان مسيرة حياة رجل حمل مسؤولية شعبه وبني قومه

بأمانة قلَّ لها نظير في الزمن الصعب.

لون البشرة : أديم تراب الجنوب، لون العينين : سنابل قمح البيادر في كفرا وياطر . 

 

في صميم القلب ـ "جنوبٌ واعد وبقاعٌ راعد بينهما جبلٌ أشمُّ وضاحيةٌ شموس"ـ وعاصمة لا تخلع عروبتها .

 

لبنانه بكل نواحيه ـ"حرفٌ من صيدون، وكتابٌ من جبيل، وشراعٌ من طبرجة، وضربة مجذافٍ من صور" ـ .

أما النبضات فهي نشيد مقاومةٍ منذ تأسيس "الأفواج" والقافلة تسير . والعين دائماً على فلسطين والقدس الشريف.

غرابُه ( سواد شعر الرأس ) طار ولم يحط لِـما رآه من مفاسد ساسة لبنان والعابثين بمصير الأوطان .

 

تعرفت اليه وأنا في سن الرابعة عشرة من عمري يوم قاد موكب سيارات بلدتي ياطر في 31 آب 1983 وهي ترفع الأعلام الخضراء إلى مدينة صور لإحياء ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر متحدياً حراب المحتل الصهيوني.

علاماته الفارقة : التواضع مواطناً ومسؤولاً ونائب أمة ، ومحاكاة عيشة الفقراء . فأمه وأبوه كل أم حملت على رأسها جرة ماءٍ من وادي العيون أو عين التينة في خراج ياطر لتخدم أولادها وكل أبٍ قلع الصخر من التراب بالقارص والمخل واستصلح الأرض ليغرس بها شتلة تبغٍ أو حبة قمحٍ تنبت سبع سنابل .

هو ابن الذين رثاهم على منابر ياطر وكفرا وقرى عاملة ولم يكن حديثه إلا عن كدهم وكدحهم وحكايا عشقهم لتراب الحقول. ظل ملتصقاً ببني قومه الفلاحين والعاملين والكادحين ، دنياه أحلامُهم ، تطلعاتُه أمانيهم ، صرختُه المنبرية أوجاعُهم. لم يستهوه الحديث عن أصحاب السعادات والفخامات والمعالي .ما عنته المناصب ولا الألقاب ، ولم يرتدِ الثياب المخملية في أي موقع من مواقع المسؤولية . بل استهواه من إمامه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) الزهد الذي ظل مرافقه في دورتي انتخاب المجلس النيابي اللبناني عاميْ 2005 و 2009م. ربما كان الزهد لمن يتولى المسؤوليات العامة غير محبذ في أعرافنا السياسية اللبنانية وتقاليدها غير العريقة .

وحين التقيت به بعد انتخابات عام 2018 النيابية التي لم يترشح لها سألته مستعلماً : حاج أبا حسن أفهم انك لم تترشح لهذه الدورة حيث أن رئيس كتلة التحرير والتنمية دولة الرئيس نبيه بري أعلن قبل بدء الانتخابات أنه ينوي تغيير نصف مقاعد اللائحة ولكن الذي حدث أنك صاحب المقعد الوحيد عن صور الذي تغير؟ تبسم ضاحكاً من سؤالي وأجاب: " ولَو يا عمي ، أنا هو نصف اللائحة الذي تغير ".

 

ترك منصب النيابة ليفوز بمنصب "أمل المعذبين والصرخة المستمرة في وجه الطغاة " بلا منازع بعد تغييب إمام الوطن والمقاومة السيد موسى الصدر . يشهد له بهذا الفوز "حسابه الجاري"  المفتوح على دفاتر الديون لصيدليات الجنوب ثمن أدوية للفقراء والمحتاجين، وكذلك جولاته "السياحية" عند نهاية كل شهر (بعد استيفاء مرتبه) على الصيدليات والدكاكين وبائعي الخُضَر لتسديد الديون المتوجبة عن فقراء الحال.

مضى الحاج أبو حسن وفي عينيه أحلامٌ تظل احلاماً حتى قيام دولة العدل المنتظر .  أسعدَ قلبَه أن يبلسم آلام المرضى بدواءٍ يشتريه لهم ، لكنه فارق الحياة وفي قلبه حسرة وغصة ، نيّفاً وسبعين عاماً عاشها الحاج أبو حسن وهو يبحث عن الدواء الترياق لمحنة بلده الذي فتكت به أمراض الطائفية المزمنة ومفاسد سياسييه ولم يعثر عليه حتى استبد به المرض العضال ، فأغمض عينيه وأسلم الروح صابراً محتسباً ،  يا لوقعِ الخبر ، أديبنا المنبري ، راثي الشهداء وراوي حكايا المقاومين وتفانيهم صار هو المرثي. أفجع قلوبنا وأثكل منابرنا ويتّمها  فمن يجرؤ على صعودها بعده ولسان الحال : رحل عن دنيانا فقير الدنيا وغني الآخرة الحاج أبو حسن عبد المجيد صالح. مات الآدمي في بلدي لبنان .                       

                                                                        16-09-2023 .